الصفحة الأساسية > MAGHREB-MACHREQ EN MOUVEMENT > الانتفاضات العربية في انتظار ربيعها الاجتماعي

LES SOULÈVEMENTS ARABES DANS L’ATTENTE DE LEUR PRINTEMPS SOCIAL

الانتفاضات العربية في انتظار ربيعها الاجتماعي

par Yassine TEMLALI

الخميس 26 كانون الثاني (يناير) 2012

الانتفاضات العربية في انتظار ربيعها الاجتماعي

ياسين تملالي

"الأخبار"، بيروت، 24 يناير 2012

حققت الطبقات الشغيلة في المنطقة العربية طوال سنة من الانتفاضات بعض المكاسب، منها ما هو ماديّ كرفع الأجور وتحسين ظروف العمل، ومنها ما هو سياسيّ كحق تمثيلها ديمقراطيا (صعود الحركة النقابية المستقلة المصرية، تجديد قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل، الخ). لا شك في هذه المكاسب لكنها، سواء رحل الحكام المستبدون أو تحولوا إلى "مصلحين"، لم تترافق بعدُ بأية بادرة تغيير للسياسات الاقتصادية المتبعة في المنطقة، ولا حتى في مصر وتونس، حيث أطاح المدّ الثوري برمزين من رموز تزاوج الحكم التسلطي بالنهب الليبرالي.

في مصر، يتصرف المجلس العسكري وكأن حسني مبارك تخلى عن الحكم سلميا، بطلب منه، لا تحت ضغط شعبي كانت الإضراباتُ العمالية أحد مظاهره الحاسمة. لا فرق يُذكر بين الموازنة العامة التي أعدَّها له عصام شرف في يوليو 2011، وتلك التي أعدَّها للرئيس المخلوع، في يوليو 2010، أحمد نظيف، القابعُ في سجن طرة. أدهى من ذلك، رأينا المجلس، بعد "قراءة متأنية" لمقترحات رئيس حكومته السابق - وبغرض "حماية الثورة" من نفسها على الأرجح - يأمرُه بتقليص بعض النفقات الاجتماعية التي حاول هو، على استحياء، عدمَ تقليصها (الصحة والسكن والمعاشات ومنح البطالة).

وجاء رئيسُ الوزراء الحالي، كمال الجنزوري، خيرَ خلف لخير سلف، فرغم تواصل الاحتجاجات الشعبية بكل أشكالها (إضرابات عمالية، مظاهرات مطالبة بتوفير الغاز، الخ) ، لا فرق بين السياسة الاقتصادية التي يعتزم تطبيقَها تحت إشراف العسكر وسياسة حكومات مبارك، وأهمّ أركانها تحميلُ الفقراء وحدَهم عبء تمويل الاقتصاد، بزيادة وطأة الجباية عليهم واستِلاف مبالغ ضخمة من الخارج سيُفنون العمرَ في سدادها، هم وأبناؤهم من بعدهم. لا أدلَّ على هذا الاستمرار بين الماضي والحاضر، بين الاستبداد المدني والديمقراطية العسكرية، من الحديث الدائر اليوم عن إلغاء دعم أسعار بعض المنتجات (المحروقات) ولا من مشروع اقتراض 3،2 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، اشترط لضخِّها في الخزينة المصرية إحكامَ رقابته على الأداء الحكومي (خاصة الإنفاق الاجتماعي).

سنة بعد 25 يناير 2011 إذاً، لا تراجعَ عن سياسة مبارك الاقتصادية (لُخِّصت كل مساوئها في "الفساد" و"التربّح بغير وجه حق") ولا عن خصخصة عشرات الشركات الحكومية رغم ما شكّلته من تبديد فاضح للممتلكات العمومية، ولا مجردَ تفكير في إلزام رجال الأعمال بالمساهمة في حل أزمة مصر المالية، فمساهمتُهم في حلّها لا ينبغي أن تتجاوز، في نظر كمال الجنزوري، تكرُّمَهم بدفع ثمن الطاقة التي تستهلكُها مصانعهم (قرار رفع الدعم عنها جزئيا، ديسمبر 2011). ولا يبدو أن الإخوانَ المسلمين المرشحين لتشكيل الحكومة القادمة ينوون توجيه دفّة البلاد الاقتصادية وجهة أخرى. بالعكس، نراهم يوزّعون الوعودَ تلو الوعود - على العسكر والأمريكان - باحترام قوانين الاستثمار وتشجيع المستثمرين.

ورغم واقع التغيير السياسي في تونس (رؤساء الدولة والبرلمان والحكومة وجزء كبير من الوزراء من قدامى المعارضين)، لا يختلف المشهد الاقتصادي فيها كثيرا عنه في مصر، فما أن تولت حكومة حمادي الجبالي الإسلامية مهامَّها حتى بادرت إلى طمأنة قطاع الأعمال (المحلي والأوروبي) واعدةً باحترام قوانين الاستثمار السارية وتشجيع المستثمرين، أي السير على نهج حكومة الباجي قايد السبسي المواصل لنهج حكومات زين العابدين بن علي. ولن يعيق وفاءَها بوعودها الرئيسُ منصف المرزوقي وهو الذي دعا الشعب التونسي، في 23 ديسمبر الماضي، إلى "هدنة اجتماعية"، ملوحا بـ "تطبيق القانون" في حال استمرت الإضرابات والاعتصامات في تعطيل الإنتاج (ورد كلامه هذا، يا لبلاغة الرمز، في خطاب ألقاه أمام أرباب العمل التونسيين).

سنةٌ مضت منذ أن "فهم" الرئيس اللاجئ في أبها ضرورةَ رحيله لكن لا حديث لسلطات تونس الجديدة عن التخلي عن "النموذج التونسي" الذي ارتبط به اسمُه، وهو نموذج قائم على الاستثمار في المناطق الساحلية (أي قرب الموانئ التجارية) على حساب مناطق الداخل وتوجيه الطاقات الإنتاجية نحو التصدير وتشجيع القطاعات الاقتصادية التي لا تحتاج إلى يد عاملة عالية التأهيل كالنسيج والخدمات (ما يفسر ارتفاع نسبة البطالة في أوساط حَمَلة الشهادات الجامعية). ولولا أن فتيلَ حركات الاحتجاج في ولايات الشمال الغربي والوسط لا يزال مشتعلا لنُسي أنّ الثورة التونسية، قبل أن تتحول إلى "ثورة ياسمين" رقيقةٍ رومانسية، اندلعت في سيدي بوزيد المحرومة من نِعم "المعجزة الاقتصادية" البنعلية.

لا يستهدف وصفُ هذا المشهد الكئيب التأسّفَ على عدم تمكن الطبقات العاملة من فرض نفسها لاعبا رئيسيا على الساحة السياسية في المنطقة، فالثورة ليست جنيّا طيبا يحقق الأماني كلَّها في رمشة عين. ما يستهدفه هو التذكيرُ بأن الانتفاضات العربية لا تزال تنتظر اكتمالَ ربيعها الاجتماعي وأن القوى الرأسمالية، المذعورةَ من انقلاب التوازنات الطبقية محليا وإقليميا، أتمت تأقلمَها مع الوضع العربي الجديد، وأهم معطياته حلولُ نخب الأحزاب الدينية محل قسم من النخب الحاكمة القديمة (بالتحالف مع قسم آخر منها).

وتُظهر هذه القوى من المرونة الشيءَ الكثير، فكما دعمت في الماضي حكومات مبارك و بن علي تدعم اليوم تلك التي يعينها "المرشدون"، محمد بديع وراشد الغنوشي وغيرهما، ما التزمت باحتواء الحركات الاجتماعية والسياسية الراديكالية. لهذا السبب، تبدو المرحلة القادمة من مسار التغيير في المنطقة العربية بالغةَ الدقة، فلأوّل مرة يجد الأجراء ومجموع الفقراء أنفسَهم في وجه حكومات إخوانية تلبس رداء الشرعية الثورية لكنها منبثقة، جزئيا، من الطبقات السائدة وممثِلةٌ تامة الحقوق لمصالحها. قد تكون نضالاتُهم أصعب مما كانت عليه، عندما كان الإخوان المسلمون في عداد المعارضين، لكنهم قد يوفرون على أنفسهم ملاحقةَ سراب "الحل الديني" وهم يرون التيار الإسلامي يلهيهم بواجب التمسك بـ "هويتهم" لينسيَهم أن "الصالح العام" الذي يدافع عنه هو "صالح الأثرياء"، الملتحين منهم وغير الملتحين.

ياسين تملالي


عرض مباشر : http://www.al-akhbar.com/node/33503

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك
  • لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

  • رابط هايبرتكست

    (إذا كانت مشاركتك تشير إلى مقال منشور على النسيج أو صفحة توفر المزيد من المعلومات، الرجاء إدخال اسم هذه الصفحة وعنوانها أدناه).