الصفحة الأساسية > MAGHREB-MACHREQ EN MOUVEMENT > أبناءَ القذافي برة الجزائر لكن ماذا عن قذاف الدم في مصر وموسى كوسة في (...)

أبناءَ القذافي برة الجزائر لكن ماذا عن قذاف الدم في مصر وموسى كوسة في لندن؟

الجمعة 9 أيلول (سبتمبر) 2011

أبناءَ القذافي برة الجزائر لكن ماذا عن قذاف الدم في مصر وموسى كوسة في لندن؟

ياسين تملالي

"الأخبار"، بيروت، 8 سبتمبر 2011

تعرف العلاقاتُ الجزائرية الليبية توتّرا كبيرا بسبب رفض الجزائر الاعترافَ بالمجلس الوطني الانتقالي "ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الليبي" واستقبالِها أبناءَ معمر القذافي حنّبعل ومحمد وعائشة في 29 أغسطس 2011، مبرّرة ذلك بـ "دواع إنسانية بحتة".

ومن تجليّات هذه الأزمة اتهامُ بعض أعضاء المجلس الجزائرَ مجدّدا بأنها ساندت القذافي بالمال والسلاح وأن مرتزقةً جزائريين شاركوا في المعارك في صفوف قواته، وهي اتهاماتٌ إن امتنع حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن كيلِها للنظام الجزائري فلأنّه يعوّل عليه لتحجيم التهديدات المسلحة في جنوب الصحراء، خصوصا بعد انهيار الجيش الليبي ونهب ترسانة أسلحته (بما فيها الثقيلة منها كما أكّد ذلك يوم 6 سبتمبر المنسق الأوربي لمكافحة الإرهاب جيل دي كيرفوش.
ويطرح الجدلُ بين السلطات الجزائرية والمجلس الانتقالي الليبي العديدَ من الأسئلة عن حقيقة "الصداقة الليبية الجزائرية" في زمن القذافي ومدى تناسق تصوّرات قادة ليبيا الجدد لمستقبل العلاقات بين البلدين وسياسةِ الكيل بمكيالين التي يمارسونها في تعاملهم مع رموز "النظام القديم"، مثَلهم في ذلك مثَل حليفهم الناتو.

صحيحٌ، كما قال المؤرخ الفرنسي بنيامين ستورا لليومية الفرنسية "لوفيغارو" (30 أغسطس 2011) أن القذافي وبوتفليقة ينتميان "إلى نفس الجيل السياسي"، أي أن كليهما تربّى في حضن عقيدة جيوسياسية ترفض الوجودَ العسكري الأجنبي المباشر في شمال إفريقيا، وأنّ الجزائر، من هذا المنطلق، ترَى الدعم الفرنسي للمجلس الانتقالي دليلا على سقوط اتفاق ضمني مع فرنسا مُؤدّاه امتناعها عن كل تحرك مسلح على حدودها.

كلّ هذا صحيحٌ لكنّ المشاكلَ السياسية بين الجزائر وليبيا القذافي (عكس ما توحي به بعض التحاليل التي تصورهما "قوتين حليفتين") لم تكن قليلة، ما يضفي بعض الصدقية على تأويل موقف النظام الجزائري من الوضع الليبي أساسا كتعبير عن خوفه من تحوّل هذا البلد إلى محمية للناتو.

ومن المشاكل التي كانت عالقة بين النظام الجزائري وليبيا القذافي عدم مصادقتِها على خطّ الحدود بين البلدين (عكس بلدان الجوار الأخرى) وما يمثله مشروع "النهر الصناعي العظيم" من تهديد لموارد المياه الجوفية الجزائرية ووقوفُ القوّة المالية للدبلوماسية القذّافية عائقا أمام استرجاع "سياسة الجزائر الإفريقية" بعض بريقها الغابر وتدخّلُ المخابرات الليبية في النزاعات بين المتمردين الطوارق والحكومتين النيجيرية والمالية بما لا يتلاءم وسعي الخارجية الجزائرية إلى لعب دور الوسيط فيها بغرض تأمين حدودها والحفاظ على دورها السياسي المتضائل في المنطقة. هذا دون أن ننسى وضعَ المساجين الجزائريين الكارثي في السجون الليبية (وهو ما كان حديث الصحف الجزائرية طيلة شهور سبقت اندلاع الصراع المسلح في ليبيا).

كل هذه المشاكل كانت عالقةً بين الحكومة الجزائرية وليبيا القذافي عندما سطا الناتو على الثورة الليبية الوليدة واختزلَها في شكل واحد من أشكالها هو التمرد العسكري. من هذا المنظور، ليس مستبعدا أن النظامَ الجزائري، لولا هذا السطو وشريطة أن يكون "التغيير" في ليبيا إعادة إنتاج للسلطة القائمة لا ثمرة حركة شعبية راديكالية، كان سيفضل انتهاءَ حكم العقيد لما كان قد يعنيه من تراجع لدبلوماسية البترودولارات وتوضيح للوضع على حدود البلاد الجنوبية (تسليح وتمويل حركات التمرد في النيجر ومالي).

مسألةٌ ثانية يثيرها التوترُ الجزائري الليبي الراهن هي تذبذبُ مواقف القيادة السياسية الجديدة في ليبيا من مستقبل العلاقات مع الجزائر، فوصف محمود شامان، عضو المجلس الانتقالي، استقبالَ عائلة القذافي على التراب الجزائري بالـ"العمل العدواني" لا يتوافق وإجراءَ مصطفى عبد الجليل (رئيس ذات الهيئة) و محمود جبريل (مسؤول خارجيتها) محادثات مع وزير الخارجية الجزائري، مراد مدلسي، ما كان دليلا على أن بعض القادة الليبيين لا يرون طائلا من قطع الأواصر مع دولة تقاسم بلدهم حدودا بطول ألف كيلومتر وتحديات سياسيةً كثيرةً، أهمّها "تسيير" حركات التمرد في مالي والنيجر ومكافحة القاعدة.

وهنا لا بد من ملاحظة أن النظامَ الجزائري، رغم ثقته الظاهرية بنفسه، يخشى تعمّقَ عزلته الإقليمية إذا ما ناصب النظام الليبي الجديد العداءَ، فلا مقارنة بين موقفه من المجلس الانتقالي وموقف كوبا مثلا منه. نظام كاسترو اعتبر هذه الهيئة صنيعةَ الناتو وسحب ممثليه من طرابلس، في حين لم تستبعد السلطات الجزائرية الاعترافَ بها "إذا اتضح أنها تمثل كل المناطق الليبية" ولم تمتنع عن حضور "قمة أصدقاء ليبيا" التي نظمها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في باريس أول سبتمبر الماضي.

المسألة الثالثة التي يثيرها التوترُ الجزائري الليبي بعد استقبال الجزائر عائشة القذافي وأخويها حنّبعل ومحمد هي كيلُ المجلس الانتقالي الليبي بمكيالين في تعامله مع رموز حكم القذافي. لماذا لا يطالب مصر بتسليم أحمد قذاف الدم، أحد أقرب المقربين من "ملك ملوك إفريقيا" ؟ لأنه بانشقاقه سرّع وتيرة تفكيك نظامه، ما وجبت مجازاته عليه بالتغافل عن جرائمه في حق الليبيين (ناهيك عن أن الحكم العسكري المصري صديقٌ للناتو لا يجب إحراجُه). نفسُ السؤال يطرح عن صمت الناتو (والإعلام الأوروبي والأمريكي "الموضوعي") عن إقامة أحد أقطاب "النظام الجماهيري" المنشقين، عبد السلام جلود، في إيطاليا واستقبالِ رئيس المخابرات الخارجية القذافية السابق، موسى كوسة، في بريطانيا إثر هروبه من طرابلس في 28 مارس 2011.

لا شك في أن محاكمة الشعب الليبي لأبناء "قائد الثورة" الذين بدّدوا أموالَه وعاملوه معاملة العبيد جزءٌ من عملية التغيير وأن حكومة بوتفليقة، بإيوائها لهم، أبعدُ ما تكون عن إبداء تعاطفها مع الليبيين، لكن تصفيةَ الحسابات مع الماضي الدكتاتوري تتطلب أيضا محاكمةَ قدامى رفاق "القائد" ممّن يتجولون في القاهرة وروما ولندن (وطرابلس وبنغازي) تحت حماية الناتو، صديق ليبيا الجديد.

صحافي جزائري


عرض مباشر : http://www.al-akhbar.com/node/20719

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك
  • لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

  • رابط هايبرتكست

    (إذا كانت مشاركتك تشير إلى مقال منشور على النسيج أو صفحة توفر المزيد من المعلومات، الرجاء إدخال اسم هذه الصفحة وعنوانها أدناه).